Tuesday, August 20, 2013

قصة قصيرة : انتِ حديقتي

كان بيته يطل و يلتصق بحديقته الخاصة , لا يدخلها سواه .و قد كلف رجلاً ما بالاهتمام بتلك الحديقةٍ و شدد عليه أن يزرع الكرمِ و كل ما يتسلق من الاشجار ...
مضت مدةُ طويلةُ جداً قبل ان يقرر صاحب البيت ان يدخل حديقته , حقاً لم يعرها انتباهاً لا هي و لا ما بها من نباتات - 
كان يدفع تكاليف زراعتها و صيانتها دون أدني أهتمام بمجريات أمورها ...
-نظراً لما يحدث في البلد من فوضي كثرت عطلات الرجل -
مَلّ الرجل جلسة البيت أمام ألاخبار , مَلَّ السياسة و متكلميها و جلساتها و مناقشاتها : فقرر ان يخرج عن روتينه اليومي بأي شكلٍ كان.
كانت الساعة علي نحو الخامسة و النصف صباحاً , أفاق صاحبنا قليلاً من نعاسهِ : فشعر به كلبهُ الذي ما انفك عن لعق أذني صاحبنا منذ انفتحت عيناه قليلاً ... 
لاقي الكلب ما لاقاه من سبابٍ و تعنيف إثر محبتهِ المفرطةُ...
وقف الرجل - تمطعَ قليلاً ساحباً بعضُ الهواءِ الصباحيِ داخلَ رئتاهُ الكسولتانِ.
تحَرَك في بطءِ النيامِ الي حمام غرفتهِ نحو حوضِ غسيل الوجهِ ...
غَسَلَ وجههُ وأسنانه ورشَ بعض الماءِ علي رقبتهِ بأصابعه المبتلة حتي يؤكد علي أستفاقتهِ..
خلع -بيچامة- نومه و ارتدي ملابس عادية , سروالاً قصيراً و-تي شيرتً- , ألاول بنياً فاتحاً و الاخير أبيضً..
ثم ارتدي حذاءه البني الجلدي دون شرابٍ يفصل قدمه عن جلد الحذاء..
توجه الي المطبخ فوجد زوجته العزيزة تحضّر له كوب القهوة الصباحي : قَبَّل رقبتها في امتنانٍ ...
حضَّرت كوباً أخراً لها هي الاخري ,فقد كانت قد سبقته في تغيير ملابسها , ارتدت فستاناً منزلياً رقيقاً لونه أبيض , كانت أشبه بعروسٍ في ليلِ زفافٌها .
وجهُها أبيضُ و عيناها الخضراء صارا صباحاً أخراً وحدهما غيرُ صباحُ الشمسِ ; حذائها بني هو الاخر مسطحٌ و املسٌ كحذاءً الباليه.
قدمَت لهُ كوبَ القهوةِ علي سُفرةِ المطبخ .. و ما ان فرغت يداها من امساك الكوبِ , سارع هو في لطفٍ وامسك بها وادارها لاعلي حتي يظهر باطن كفها , أقترب قليلاً منها يكاد يكون راكعاً و قبَّل كفها من الداخلِ...
أمسك بيدها و مررها علي لحيته المحلوقة الناعمة التي لطالما ذكرتها بأوجه الاطفال نعومةً ..
نبَضَّ قلبهُ نبضةٌ زائدة أشبه برجفة عنما لاحظَ أطرافِ شفتاها تتباعدان في ابتسامة مغرية للتقبيل منها ... 
توجها للحديقة سوياً كما باتا متفقين قبلها بليلةٍ...
كانت الكروم نامية في أزهي حالاتها, تسلقت كل ما يمكن تسلقه حتي أسلاك الكهرباء فكونت سقفاً أخضراً جميلاً يكون غطاءً دائم الاهتزاز منذراً بتحرك الهواء من خلاله تاركاً أشعة شمسِ خافتة تمر فتكون غطاءً أخراً من النور فيغلفون ما في الحديقة بلباس إلهي من الظلال و النور ...
في وسط الحديقة تجد منضدة دائرية من خشب الزان البني يخترق الفراغ بين أرجلها كرسيان من الزان أيضاً فيكونوا مع ما فوقهم و خلفهم لوحةٌ فنيةٌ لكان تذوقها بيكاسو في حياته ..
بالطبع تبعهما الكلب الي الحديقة و ما أن خرج حتي هرعَ للعب المضحك كعادته فقد كان لا يزال جرواً في شهره السابع من العمر...
جلسا بجانب بعضهما البعض ممسكان بأيدي احدهما الاخرُ في ذوقٌ ملكّي , اما ألايدي الاخري فكانت منشغلةٌ في مساعدة أفواههما في ارتشاف قهوتهما الصباحية بالتزامن الواحدة مع الاخري ..
قبَّل يدها مرة اخري , مشتماً رائحة عطرها الفائح منها ...
ذاب قلبه ناظراً لعيناها -وما بالك بشفتاها الزهريتان ترتشفان شراب المفكرين -...
تمني من قلبه ان يسكن الكون عن الحركة كي يتوقف الزمن , تمني أن تسكن تغيرات مشاعرهما علي حالتها هذه الي الابد ..
تمني الف أمنية متداخلة تكاد تصل للتناقض...
وحقيقة واحدة هي الثابتة , ان كلبهما هو الذي يحب كلاهما حباً مطلقاً بالرغم من أفساده للصباح حين أوقع المنضدة دون قصد و سكب القهوة ِ ...